
اختلالات الدعم الحزبي.. أزمة تعري هشاشة الحكامة الحزبية في المغرب
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
رغم الإطار القانوني الصارم الذي يحدد طرق صرف الدعم العمومي للأحزاب السياسية، كشف آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات عن واقع مقلق يُخيم على تدبير هذه الأموال العمومية، ويعكس أزمة بنيوية متجذرة داخل المشهد الحزبي المغربي.
ففي أحدث معطياته، دعا المجلس 15 حزباً إلى إرجاع ما مجموعه 21,96 مليون درهم إلى خزينة الدولة، بعد رصد اختلالات في صرف الدعم، سواء نتيجة غياب الوثائق المثبتة، أو استخدام الأموال في غير الأغراض المخصصة لها قانونيا ، هذا الرقم ينضاف إلى 35,92 مليون درهم أُرجعت تدريجيا بين 2022 ومارس 2025، ما يعكس حجم الإشكال المزمن في الالتزام بقواعد الشفافية والمحاسبة.
– أموال عمومية… وصرف غامض
من أصل 140 مليون درهم خصصت كدعم سنوي للأحزاب في 2023، لم يتم صرف سوى 43% منها لـ17 حزبا فقط، فيما تم حرمان 16 حزباً أخرى من الدعم بسبب عدم استيفائها للشروط القانونية، ومع ذلك، يظل صرف ما قُدم من دعم محل تساؤل، إذ لم يُرفق جزء كبير من النفقات، التي بلغت 91,37 مليون درهم، بما يكفي من الوثائق القانونية.
المجلس لاحظ كذلك أن ثمانية أحزاب لم تثبت تحصيل مواردها الذاتية بوثائق رسمية، كما سجل تجاوزات للسقف القانوني للتحصيل النقدي، بلغت مجتمعة 1,72 مليون درهم، ما يشير إلى ضعف الرقابة المالية الداخلية وغياب معايير التدبير الرشيد.
– حكامة مالية على الورق فقط
يبدو أن النصوص القانونية، بما فيها القانون التنظيمي 29.11 والدستور نفسه، لا تترجم فعليا إلى ممارسات مالية منضبطة، إذ لا زالت 15 حزبا لم تقم بإرجاع المبالغ المستحقة عليها، وبعضها من الأحزاب الكبرى،، مما يطرح علامات استفهام حول جدية الالتزام السياسي بقواعد الحكامة المالية.
ولا تقتصر الملاحظات على الجوانب التقنية، بل تمتد إلى مسائل جوهرية كغياب وثائق محاسبية أساسية، تضخيم الفواتير، واستخدام الدعم في مصاريف لا علاقة لها بالتأطير السياسي، وهي كلها مؤشرات تؤكد هشاشة البنية التنظيمية والرقابية داخل معظم الأحزاب.
منظومة في حاجة إلى إصلاح جذري
رغم أن الدعم العمومي يفترض أن يعزز الديمقراطية من خلال تمكين الأحزاب من تأطير المواطنين وإنتاج برامج سياسية، فإن الواقع يظهر أن جزءاً مهما من هذا المال يستهلك دون مردودية، أو يسير بشكل غير شفاف، والأسوأ أن غياب المساءلة الفعلية يشجع على تكرار هذه الممارسات، مما يفرغ آلية الدعم من جوهرها، ويفقد الثقة في العمل الحزبي، خصوصاً في أعين الشباب والمواطنين المترددين أصلاً في المشاركة السياسية.
– أزمة ثقة قبل أن تكون أزمة مال
إذا كانت الممارسة الحزبية في المغرب جزءاً من البناء الديمقراطي، فإن سوء تدبير المال العمومي يبمثل خللا عميقاً في هذا البناء. ولذلك، لا بد من إصلاحات تهم مراجعة شروط الاستفادة من الدعم، ربط التمويل بمؤشرات الأداء والشفافية، وتفعيل المحاسبة بشكل حازم. لأن استمرار الوضع كما هو عليه، يعني تفريغ الأحزاب من دورها الحقيقي، والإبقاء على صورة نمطية تؤكد للمواطن أن المال الحزبي مجرد ريع سياسي.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X