
البيجيدي بين طهران والسمارة.. كيف سقطت الأقنعة قبل المقذوفات؟
هبة بريس -عبد اللطيف بركة
الجمعة الماضية، حين سقطت أربعة مقذوفات على أطراف مدينة السمارة، لم تكن الأضرار البشرية أو المادية هي الأهم، بل كان السقوط الحقيقي في مكان آخر يتمثل في مواقف بعض النخب السياسية، وتحديدًا حزب العدالة والتنمية، الذي اختار أن يصمّ آذانه عن صوت السيادة المغربية، بينما لم يتردّد، خلال أقل من 24 ساعة على أول هجوم إسرائيلي على إيران، في إصدار بيان ناري متضامن مع طهران.
البيان الصادر عن الأمانة العامة لحزب المصباح، برئاسة عبد الإله بنكيران، بدا كأنه مكتوب على عجل، بلغة محمّلة بالانفعال، يعكس انخراطًا آنيًا في حسابات “محور المقاومة”، دون أي اعتبار للمعادلة الوطنية، وهو تضامن أيديولوجي أكثر منه إنساني أو مبدئي.
وفي المقابل، لم يصدر الحزب، حتى اللحظة، ولو سطرًا واحدًا للتضامن مع سكان مدينة السمارة، وهم مواطنون مغاربة سقطت على أرضهم مقذوفات أطلقتها ميليشيات إرهابية مدعومة على الأرجح من طرف خارجي له صلات بإيران ذاتها.
هذه المفارقة، وإن كانت صادمة، ليست جديدة، لكنها اليوم أكثر انكشافًا، حين يُغْضِب “العدوان الخارجي” على طهران قيادة حزب سياسي مغربي أكثر من اعتداء إرهابي على السيادة الترابية للمغرب، فإن السؤال يصبح مشروعًا: ما الذي يحرّك هذا الحزب في مواقفه؟ هل هو التقدير الوطني أم الانحياز الإيديولوجي؟.
السمارة ليست فقط مدينة مغربية تقع في قلب الصحراء، بل هي رمز ثقافي وتاريخي لسيادة الدولة المغربية في أقاليمها الجنوبية، إنها مهد زاوية الشيخ ماء العينين، ومركز روحي للمقاومة ضد الاستعمار، ومفتاح الارتباط بين الجنوب والدولة المركزية، وأن من يستهدف السمارة لا يهاجم مجرد مساحة جغرافية، بل يعتدي على ركيزة وطنية في وجدان المغاربة.
لكن حزب العدالة والتنمية، الذي سير الحكومة لولايتين، ويتلقى اليوم دعمًا ماليًا من أموال دافعي الضرائب، لم يجد ما يعلّق به على هذا الحدث، صمت ثقيل. لا بلاغ تضامن، لا تصريح إدانة، ولا حتى تدوينة رسمية. في الوقت ذاته، صدرت مواقف واضحة وشجاعة من بعض الأحزاب الوطنية، ومنظمات المجتمع المدني، من الشمال إلى الجنوب، تؤكد على خطورة الحدث وضرورة الدفاع عن وحدة المغرب وسيادته بكل وضوح.
والأخطر من ذلك أن تقارير أولية تحدثت عن احتمال استعمال صواريخ إيرانية من نوع “أراش” في الهجوم، ما يفتح الباب أمام أسئلة حقيقية حول حجم الاختراق الإيراني في المنطقة، ودور الجزائر كجسر لمرور هذا الدعم. ورغم كل هذه المعطيات، يفضّل بعض من يدّعون النضال الممانع، من داخل العدالة والتنمية أو من محيطه، أن يتحدثوا عن “العدوان على طهران” لا عن العدوان على السمارة.
هل الموقف من طهران مقدّم على الموقف من الوطن؟ وهل أصبحت الكوفية الفلسطينية، التي لا تفارق بعض الوجوه المتصدّرة، مجرد أداة مزايدة سياسية، تُستعمل لتبرير الصمت حين تكون الجهة المعتدية على المغرب جزءًا من محور يُحسبون عليه أيديولوجيًا؟.
الوطن ليس لعبة مواقف انتقائية، والمبدأ لا يُجزّأ، من يدافع عن قضايا الشعوب يجب أن يبدأ بشعبه. ومن يستنكر العدوان على بلد بعيد، عليه أولاً أن يندد بأي مساس بسيادة بلده. أما التذرع بـ”الرفض للتطبيع” لتبرير الصمت تجاه اختراق إيراني عبر البوليساريو، فهو خطاب انتهازي لا يخدم لا فلسطين ولا المغرب، بل يسيء لكليهما معًا.
اليوم، وبعد أن سقطت المقذوفات، سقطت معها أقنعة كثيرة، وتبيّن أن بعض الأصوات التي طالما احتكرت الحديث باسم “الممانعة” و”القضية”، لا ترى في المغرب سوى نقطة عبور لمعاركها الرمزية، بينما السيادة الوطنية بالنسبة إليها ليست أولوية، بل مجرد ورقة قابلة للمقايضة.
في لحظة كهذه، يظهر الفرق بين من يعتبر الوطن مرجعه الأول، وبين من يجعله رهينة لانحيازاته المسبقة.
فالسمارة لم تكن مجرد هدف عسكري، بل كانت امتحانًا أخلاقيًا وسياسيا بل هو امتحان سقط فيه حزب العدالة والتنمية سقوطًا مدويًا، دون أن تنطلق منه حتى رصاصة بلاغ.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X