جدل “إندرايف” يعيد رسم مشهد النقل الحضري في المغرب

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في خضم تطور التكنولوجيا وتوسع استخدام التطبيقات الذكية، يعيش قطاع النقل الحضري في المغرب على وقع جدل متصاعد بسبب الانتشار السريع لتطبيق النقل عبر الهاتف “إندرايف”، والذي بات يفرض نفسه كفاعل جديد في مشهد لم يُحسم قانونيًا بعد.

توسّع سريع وسط فراغ قانوني

منذ دخوله السوق المغربية، نجح تطبيق “inDrive” في جذب شريحة واسعة من السائقين والزبائن على حد سواء، مسجلاً حضورًا لافتًا تجاوز 30% من سائقي سيارات الأجرة، بحسب تقديرات غير رسمية، ويسيطر على حصة مهمة من سوق النقل الذكي بالمدن الكبرى.

لكن هذا التوسع جرى في ظل غياب إطار قانوني واضح ينظّم العلاقة بين المنصات الرقمية والمهنة التقليدية لسائقي الأجرة، ما أدى إلى خلق احتكاكات ميدانية ومواجهات متكررة.

– صدامات على الأرض بين القديم والجديد

وقعت مشاهد من التوتر والمواجهات في عدد من المدن المغربية، حيث شهدت بعض الأحياء، وحتى محيط المطارات، مشادات عنيفة بين سائقي سيارات الأجرة بصنفيها الأول والثاني، وممتهني النقل عبر “إندرايف”.

وسُجّلت حالات اعتداء جسدي وتخريب لمركبات، إضافة إلى تطويق سيارات تقل زبائن يُشتبه في استعانتهم بالتطبيق الذكي، هذه الأحداث أثارت القلق من احتمال تطور الأمور إلى انفلات مهني وأمني، خاصة أن عدداً من هذه العمليات تم تداولها على مواقع التواصل.

– النقابات تصعّد.. والحكومة تدعو للتهدئة

من جانبهم، عبّر مهنيون ونقابيون في قطاع سيارات الأجرة عن استيائهم مما وصفوه بـ”الفوضى المنظمة” التي تتيحها التطبيقات الذكية، معتبرين أن “إندرايف” يعمل خارج القانون، ويشكل تهديداً مباشراً لمصدر رزق آلاف السائقين المرخّصين.

بالمقابل، أكدت السلطات الحكومية أن اللجوء إلى العنف والتخويف في مواجهة هذه التطبيقات أمر “غير مقبول”، وأن تنظيم القطاع يقع ضمن اختصاص الدولة ومؤسساتها، لا الفاعلين المهنيين بشكل منفرد.

– اجتماع مرتقب.. وقانون على الطاولة

في خطوة ترمي إلى احتواء التوتر وتهيئة القطاع للمرحلة المقبلة، علمت ” هبة بريس” من مصادر مهنية أن اجتماعًا مرتقبًا سيجمع ممثلين عن وزارة الداخلية مع النقابات المهنية لبحث سبل تنظيم النقل عبر التطبيقات الذكية، وذلك في إطار التحضير لصياغة قانون تنظيمي جديد للقطاع.

ويأتي هذا الاجتماع في سياق استعدادات المغرب لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى، على رأسها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، حيث يُنظر إلى تقنين النقل الذكي كأحد المحاور الأساسية لتحديث الخدمات الحضرية وضمان عرض نقل موثوق ومتعدد الخيارات.

– جدلية التحديث مقابل الحماية الاجتماعية

تعكس هذه الأزمة الصراع الكلاسيكي بين التحول الرقمي وضرورة حماية مكتسبات الفئات المهنية التقليدية، فبينما يطالب السائقون التقليديون بوضع حد لتطبيقات يعتبرونها “غير قانونية”، يرى كثيرون أن هذه الحلول الرقمية تمثل مستقبل النقل الحضري، شرط إدماجها ضمن قوانين واضحة تكفل التنافس الشريف والجودة والسلامة.

ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار أن تقنين النقل الذكي بات أولوية، ليس فقط لضمان الاستقرار المهني، بل كذلك للارتقاء بجودة الخدمات، وتلبية حاجيات المواطنين والسياح على حد سواء، خصوصًا مع رهان المغرب على استضافة أحداث عالمية تستوجب تنقلًا حضريًا فعالًا ومواكبًا للمعايير الدولية.

فالجدل الذي أثاره “إندرايف” لا يخص فقط قطاع النقل، بل يطرح أسئلة جوهرية حول العلاقة بين القانون والتكنولوجيا، بين المصلحة الاقتصادية والحماية الاجتماعية، وبين التنظيم الفوري والتكيف المرحلي.
الاجتماع المرتقب بين الداخلية والنقابات، إن نجح في فتح قناة حوار فعالة، قد يكون فرصة تاريخية لإعادة هيكلة النقل الحضري في المغرب بشكل متوازن، مرن، وعادل.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى