حسنية أكادير ورجاء بني ملال.. صراع المصير بين البقاء والصعود بطموحات متباينة

عبد اللطيف الباز – هبة بريس

في مساء كروي استثنائي، تتحول مدينة أكادير إلى مسرح لواحدة من أكثر المباريات إثارة في الموسم، حيث تحتضن مباراة السد الحاسمة بين حسنية أكادير ورجاء بني ملال، في نزال لا يقبل القسمة على اثنين، صراع لا بين فريقين فقط، بل بين مدينتين، بين البقاء في دائرة الضوء والسقوط في ظلمة النسيان، بين الخوف والحلم.

ليست مجرد مباراة، بل رواية من فصول متعددة، أبطالها لاعبون ومدربون وجماهير، ومؤلفها موسم طويل من المعاناة والتقلبات. حسنية أكادير، الفريق الذي عاش ثلاثين سنة في القسم الأول، يدخل هذه المباراة وعينه على التاريخ وسمعته بين الكبار، فيما يدخل رجاء بني ملال بطموح جارف لمحو إخفاق الصعود المباشر، وتحقيق الحلم عبر بوابة السد.

الحسنية هذا الموسم لم تكن نفسها. تآكل الفريق بصمت وسط أزمات مادية خانقة، لم يُسمح له بالتعاقدات، ووجد نفسه يتنقل بين ملاعب آسفي وبرشيد والمحمدية، غريبًا عن مدينته، عن جماهيره، عن ذاته. ومع ذلك، قاوم، وكأنه يقول إن الكبار لا يسقطون بسهولة. اليوم يعود إلى ملعب أدرار الذي جُدد خصيصًا لاحتضان مباريات “كان 2025”، يعود إلى الأرض التي يعرف كل حبة تراب فيها، يعود في لحظة يكون فيها البقاء مسألة وجود، لا مجرد منافسة.

وفي الجهة الأخرى، يقف رجاء بني ملال، الفريق الذي أنهى بطولة القسم الثاني في المركز الرابع، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الصعود المباشر، قبل أن تخونه السرعة النهائية وتتغلب عليه مشاكل التسيير والانقسام بين مكونات الجمعية والشركة. فريق يعرف أنه لا يملك الكثير ليخسره، لذلك يلعب بأريحية من لا يخاف، بثقة من يحلم، وبإرادة فريق يطمح لأن يعود إلى الواجهة من الباب الكبير.

ورغم أن مباراة الذهاب انتهت بالتعادل السلبي، فإن مباراة الإياب تفتح كل أبواب التأويل، كل شيء ممكن، وكل تفصيل قد يصنع الفارق. في مثل هذه المباريات، التفاصيل الصغيرة ليست ترفًا، بل هي من تصنع المجد أو تسقط الأحلام. من يسجل أولاً؟ من يصمد تحت الضغط؟ من يمتلك النفس الطويل؟ كلها أسئلة ستجيب عنها دقائق المباراة.

والعنصر الأهم هنا هو الجمهور. جمهور أكادير لم يتأخر هذه المرة، حملة واسعة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، شعارات، صور، دعوات جماعية للحضور، تحت وسم “ما نفوتوهاش”، وكأن المدينة كلها أدركت أن هذه المباراة ليست مجرد كرة، بل بقاء لهوية رياضية وثقافية. في الوقت الذي خذلت فيه الإدارة الفريق، لم يتخلّ الجمهور، وكان هو الدرع الأخير في معركة البقاء.

اليوم، يدخل اللاعبون وهم يعرفون أن 30 سنة من المجد تقف وراءهم، وآلاف الحناجر تدفعهم من المدرجات، في مباراة لن تغفر للأخطاء، ولن ترحم التردد. أما الفريق الملالي، فيلعب بعقلية الطامحين، الذين لا تحاصرهم الذكريات، بل تفتح أمامهم الأفق. وفي مثل هذا التوازن بين الضغط والطموح، قد يكون الفائز هو من يملك قلبًا أقوى، وإرادة أصلب.

في النهاية، الكرة لا تعترف فقط بالأقوى، بل بمن يصدق حلمه أكثر. من يقاتل وكأنها آخر مباراة في حياته، من يلعب وكأن الجمهور جزء من دمه، من لا يرتجف في اللحظات الحاسمة. هذه مباراة لا تَقبل الخطأ، ولا تمنح فرصًا كثيرة، لذلك من يملك الشجاعة في لحظة القرار هو من سيرتفع عاليًا، فيما سيضطر الآخر إلى لملمة خيباته وانتظار موسم آخر.

أكادير تنتظر، بني ملال تترقّب، المغرب بأسره يراقب. اليوم تُكتب نهاية فصل، وتُفتَح أبواب فصل جديد في كتاب كرة القدم المغربية



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى