
عازف الكلارينيت جوليان ويلكيس: زيارة المغرب والمشاركة في ذكرى المسيرة الخضراء شرف عظيم
حاوره: شفيق عنوري
يلقَّب بـ”التلميذ الوحيد” لأسطورة الكلارينيت بيني غودمان، وهو لقب لم يأتِ من فراغ، إذ تتلمذ على يديه وتشرّب أسرار العزف من أحد أعمدة الموسيقى العالمية. جوليان ميلكيس ليس مجرد عازف كلارينيت عادي، بل فنان عالمي حمل آلته إلى كبرى المسارح من كارنيغي هول في نيويورك إلى قاعات الفيلهارمونية في سان بطرسبرغ، ووقف جنبًا إلى جنب مع أعرق الأوركسترات وشارك في أداء مؤلفات كبار الموسيقيين، جامعًا بين صرامة الكلاسيكيات وجرأة الارتجال في الجاز.
تميز ميلكيس، الذي نشأ في أسرة موسيقية، إذ كان والده عازف كمان، ووالدته عازفة بيانو، (تميّز) بمسار فنيّ يجمع بين العالمية والخصوصية، حيث استطاع أن يدمج بين المدارس الموسيقية الشرقية والغربية، ليصنع هوية موسيقية خاصة به، جعلت النقاد والجماهير على السواء يصفونه بالفنان الذي يعزف بروحه قبل أنامله. مسيرته لم تتوقف عند الأداء الفردي، بل امتدت إلى مشاركات في سمفونيات وأعمال أوركسترالية ضخمة، وهو ما جعله اسماً مألوفاً في المهرجانات الدولية.
وينتظر أن يحل هذا الفنان العالمي بالمغرب، في إطار الاستعداد لإحياء الذكرى الـ 50 للمسيرة الخضراء، ليقدّم لجمهورٍ مغربي متعطّش للأصوات العالمية مزيجًا من موسيقاه التي تجوب القارات وتبني الجسور بين الثقافات.
وفي هذا الحوار الخاص، يتحدث ميلكيس عن علاقته بالمغرب، وعن الفلسفة التي تقف وراء اختياراته الفنية، وعن تجاربه التي جعلت منه أحد أبرز الأسماء في عالم الكلارينيت.
س: بدايةً، ما الذي ألهمك لتقديم عرض في المغرب، وما شعورك بالأداء في مناسبة المسيرة الخضراء، وما طبيعة المشروع الموسيقي الذي تعمل عليه هنا؟
ج: لطالما كان حلمي زيارة المغرب، وأداء عرض في مناسبة المسيرة الخضراء سيكون شرفًا عظيمًا. السادس من نونبر تاريخ ذو أهمية كبيرة، وسأكون فخورًا للغاية بمشاركة موسيقاي في مثل هذا اليوم المميز. موسيقى “Giya Kancheli” تحمل صوتًا عالميًا أشعر أنه سينسجم بشكل جميل مع روح المغرب وشعبه. إنها موسيقى تتجاوز الحدود وتخاطب القلب مباشرة.
س: هل تفكر في إدماج أنماط موسيقية مغربية مثل كناوة أو الأندلسية في مشروعك الحالي؟
ج: في هذا المشروع من الصعب إضافة أنماط موسيقية مغربية، لأنها تحتاج وقتًا ودراسة، لكن في المستقبل أود بشدة استكشاف موسيقى كناوة والموسيقى الأندلسية وإدخالها في عروضي، لخلق حوار بين الثقافات والقلوب.
س: ظهرت في أحد مقاطع الفيديو على “يوتوب، مرتديا قفطانا يشبه القفطان المغربي: هل هو قفطان مغربي حقا؟ وفي حال كان، كيف كانت تجربتك مع هذا الزي التقليدي؟
ج: ما ارتديته كان في الواقع من كازاخستان — يشبه كثيرًا القفطان المغربي ويُسمّى أيضًا قفطانًا. ارتديته عدة مرات، وإن لم تخن الذاكرة فقد كان من تصميم هوغو بوس وأُهدي إليّ عندما قدّمت عرضًا هناك. ربما يجب أن أحضره معي إلى المغرب عندما أقدم عرضًا فيه.
س: كيف ترى دور الموسيقى في بناء جسور بين الثقافات، خصوصًا بين المغرب وبقية العالم؟
ج: الموسيقى هي الجسر العالمي — توحّد القلوب عبر الحدود. بين المغرب والعالم يمكنها أن تخلق حوارًا قائمًا على الصداقة والإنسانية المشتركة.
س: ماذا يمكن لعشاق الموسيقى، خصوصًا في المغرب والعالم العربي، أن يتوقعوا من أعمالك المقبلة بعد هذا المشروع؟
ج: أود أن أشارك روح الاحتراف وأهمية توجيه الموسيقيين الشباب. الأمر لا يتعلق بعدد ساعات التدريب، بل بمدى الحكمة في التدريب.
س: هل تخطط لإقامة حفلات موسيقية أو ورش عمل للجمهور أو الطلبة المغاربة؟
ج: بالطبع — إذا كان هناك اهتمام، فسيسعدني أن أقدّم دروسًا متقدمة وأستمع إلى الموسيقيين الشباب.
س: كنت التلميذ الوحيد لعازف الكلارينيت الأسطوري بيني غودمان. كيف أثّر هذا التوجيه الفريد في مقاربتك للموسيقى والأداء؟
ج: علّمني بيني غودمان واحدًا من أهم دروس حياتي: لا تعزف القطعة نفسها بالطريقة نفسها مرتين. يجب أن يحتوي كل أداء على عنصر من الارتجال — حتى في الموسيقى الكلاسيكية. وإلا تصبح كالآلة تكرر نفسها، وهذا ليس جوهر الموسيقى. يجب أن يكون كل عرض حيًّا، جديدًا ومختلفًا.
س: بعد أن قدّمت عروضًا في بعضٍ من أعرق المسارح العالمية مثل قاعة كارنيغي، أي أداء يبقى الأكثر رسوخًا في ذاكرتك ولماذا؟
ج: هناك العديد من العروض التي تبقى في ذاكرتي ولكل منها قصته الخاصة. لكن إن كان عليّ أن أختار عرضًا مهمًا للغاية وعاطفيًا بالنسبة لي، فسيكون العرض الأول لعمل “Letters to Friends” في قاعة سانت بطرسبرغ الفيلهارمونية. إنه عمل ضخم يستمر حوالي ساعة وخمس عشرة دقيقة.
س: لقد تعاونت مع موسيقيين وملحنين بارزين حول العالم. كيف تؤثر هذه التعاونات في رؤيتك الفنية؟
ج: كل تعاون يشبه مشاركة وجبة. أتعلم من شركائي وهم يتعلمون مني؛ إنه تبادل حقيقي. ومع الأشخاص المناسبين، يمكنك خلق شيء استثنائي حقًا.
س: ما أبرز التحديات التي واجهتها كعازف يتنقل دوليًا، وكيف تجاوزتها؟
ج: من أكبر التحديات العملية فقدان الأمتعة في الطريق إلى الحفل. حدث ذلك لي عدة مرات واضطررت لشراء ملابس للحفل في آخر لحظة، وكان الأمر مزعجًا جدًا. منذ ذلك الحين، أصبحت أحمل معي على متن الطائرة ليس فقط آلتي الموسيقية، بل أيضًا النوتات وملابس الحفل — كإجراء احتياطي.
س: باعتبارك شخصًا يجمع بين الأسلوبين الكلاسيكي والجاز، كيف تحافظ على صوتك الفني المتميز ضمن هذه الأنماط المتنوعة؟
ج: العالم الكلاسيكي والجاز مختلفان تمامًا، وأتعامل معهما بطرق مختلفة. كل حفل يكون فريدًا لأن الصوت والأسلوب يتغيران. في الجاز أستخدم الكثير من الاهتزاز الصوتي (vibrato)، وفي الكلاسيكي أستخدمه أيضًا لكن بدرجة أقل — فينتج صوتا مختلفا وطريقة عزف مختلفة. هذا التباين هو ما يجعل الأمر مشوّقًا.
س: ما النصيحة التي تقدمها للموسيقيين الشباب، خصوصًا المغاربة، الراغبين في بناء مسيرة عالمية في الموسيقى الكلاسيكية أو “الكروس أوفر”؟
ج: قد تبدو نصيحتي غير تقليدية بعض الشيء، لكنني أعتقد أنه يجب أن تسلك هذا الطريق فقط إذا كنت تحب الموسيقى لدرجة أنك ببساطة لا تستطيع العيش بدونها. إنها حياة صعبة جدًا — غالبًا وحيدة على الطريق، مليئة بالسفر المستمر، والفنادق، والبروفات، والعروض، والتوتر المصاحب لها. لكن إذا كانت الموسيقى حقًا هي أوكسجينك، فإن كل ذلك يصبح جديرًا بالمعاناة، لأنها تمنحك الفرصة لمشاركة شيء جميل مع العالم.
س: هل يمكنك مشاركة قصة أو درس لا يُنسى من تجاربك مع الأوركسترات والفرق الموسيقية حول العالم؟
ج: ما لا يدركه الكثيرون هو أنه بعد انتهاء العرض لا تنتهي الموسيقى. تعود إلى الفندق، تحاول النوم، لكن الموسيقى تظل تتردد في رأسك. تفكر: ربما كان يجب أن أفعل هذا بشكل مختلف، أو ذاك كان يمكن أن يكون أفضل. إنه تحدٍّ وهدية في الوقت ذاته — لأنه يعني أن الموسيقى تواصل العيش داخلك طويلاً بعد عزف النغمة الأخيرة.
س: كيف تتعامل مع تفسير مؤلفات جديدة خُلقت خصيصًا لك من قِبل ملحنين معاصرين؟
ج: عندما أتعامل مع عمل جديد مكتوب لي، أتذكر دائمًا درس بيني غودمان: لا تعزف القطعة نفسها بالطريقة نفسها مرتين. يجب أن يحتوي كل أداء على عنصر جديد، ارتجال — حتى في الموسيقى الكلاسيكية. وإلا يصبح الأمر آليًا، مثل الحاسوب.
س: بما أننا نتحدث عن الفن الذي ارتبط دائمًا بنشر السلام والدعوة إليه، أود أن أسألك: كيف ترى دور ملوك المغرب في نشر السلام عبر المنطقة، بدءًا بالملك الراحل محمد الخامس الذي دافع بقوة عن مواطنيه ورفض الهولوكوست وسياسات فيشي، ووصولاً إلى الملك محمد السادس؟
ج: لقد كان موقف الملك محمد الخامس استثنائيًا في وقوفه الحازم ضد الهولوكوست وسياسات فيشي، وهذا الإرث يستمر مع الملك محمد السادس. بناء جسور الصداقة بين المغاربة والإسرائيليين أمر أساسي، وآمل أن ينمو أيضًا عبر الموسيقى والتبادل الثقافي — وسأكون سعيدًا جدًا بالمشاركة في ذلك.
س: ختاماً، ما الرسالة التي تود توجيهها إلى الجمهور المغربي الذي يقرأ حوارك الآن؟
ج: رسالتي بسيطة: دعوا الحب يقود كل ما تفعلونه، ودعوا العمل الجاد يمنح ذلك الحب صورته الحقيقية. لا يمكن لأحدهما أن يوجد دون الآخر.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X