
علم فلسطين يثير أزمة سياسية خلال سباق رياضي في جنوب إيطاليا
عبد اللطيف الباز- هبة بريس
لم يكن الأمر أكثر من قطعة قماش بألوانٍ تروي قصة شعب، تتمايل على شرفة منزل في بلدة بوتينيانو الهادئة، جنوب إيطاليا. لكنه تحوّل في لحظة إلى شرارة سياسية… إلى اختبار حقيقي لمدى صلابة حرية التعبير في بلد يُفترض أنه مهد للحريات الأوروبية.
قبل ساعات من مرور سباق “جيرو دي إيطاليا” العالمي عبر البلدة، طرقت الشرطة باب عائلة إيطالية وطالبتها بلطف، كما تقول الرواية الرسمية، بإنزال علم فلسطين من شرفتهم. السبب؟ قد يظهر العلم على شاشات التلفزيون خلال بث السباق. لا بلاغ رسمي، لا مخالفة قانونية، لا تهديد أمني حقيقي. مجرد طلب “احترازي”… يزيح رمزًا عن مرمى الكاميرات.
ورغم أن العائلة لم تُبدِ مقاومة آنذاك، فقد كانت لحظة صادمة لصوفيا ميريزي، الابنة التي نشرت القصة على صفحتها الشخصية، مشيرة إلى أن ما حدث ليس مجرد حادث عابر بل مسّ مباشر بحرية التعبير، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
الحدث سرعان ما تحوّل إلى مادة مشتعلة في النقاش السياسي والإعلامي الإيطالي.
إليزابيتا بيكولوتي، نائبة في البرلمان عن تحالف اليسار الأخضر (AVS)، وصفت الواقعة بأنها “خطر على الحريات المدنية”، مؤكدة أنها ستطرح القضية في البرلمان.
أما نيكولا فراتوياني، زعيم حزب إعادة التأسيس الشيوعي وأحد أبرز وجوه اليسار الراديكالي، فقرّر أن يكون الرد بالرمز ذاته: “سنعيد رفع العلم الفلسطيني من نوافذ مقرنا الوطني في روما”.
حركة النجوم الخمس (M5S)، القوة السياسية الشعبوية المعروفة بمواقفها المزدوجة أحيانًا، عبّرت بدورها عن رفضها لما وصفته بـ”الرقابة التعسفية”، معتبرة أن “التعبير السلمي لا يمكن أن يُقمع في ديمقراطية ناضجة”.
حتى الشباب الديمقراطيون في إقليم بوليا (الذراع الشبابي لـالحزب الديمقراطي الإيطالي – PD) عبّروا عن غضبهم الشديد، مؤكدين أن “رفع علم فلسطين لا يخالف الدستور، بل يُعبّر عن ضمير أمة”.
الشرطة، من جهتها، أصدرت بيانًا دفاعيًا أكدت فيه أن الإزالة كانت “طوعية”، وأن تدخلها جاء بعد “شكاوى من سكان محليين”. لكن ما بدا كإجراء إداري بسيط، أثار أسئلة أكبر: هل باتت رموز التضامن تُصنّف ضمن المخاطر؟ هل يُطلب من المواطنين تزيين شرفاتهم بلونٍ واحد فقط كي لا يُفسدوا صورةً تلفزيونية؟
في بلد يزهو بدستوره وبماضيه الثوري ضد القمع، بدا أن مجرد علم على شرفة يستطيع أن يحرج دولةً بأكملها. لا لأنه يخالف القوانين، بل لأنه يكسر صمتًا مفروضًا على قضايا باتت “ثقيلة” على الشاشات و”زائدة” عن الحاجة في مشهد رياضي.
إنها لحظة من تلك اللحظات الصغيرة – الهادئة ظاهريًا – التي تكشف هشاشة المواقف حين تصطدم بالواقع. علم فلسطين لم يُمنع رسميًا، لكنه أُزيل “لأجل الصورة”. وهل تُبنى الديمقراطية على الصورة أم على المبدأ؟
في اليوم التالي، أعادت العائلة العلم إلى مكانه. لم تتحدث كثيرًا. لم ترفع شعارات. لكنها فعلت ما يشبه التحدي الصامت: العلم لا يزال هنا… والسباق مضى، كما تمضي القضايا التي لا تجد في بعض العواصم من يستحق حملها، حتى على شرفة منزل
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X