وهبي يسابق الزمن لإقرار مدونة الأسرة الجديدة وسط مخاوف المحافظين

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في ظل الضغوط المتزايدة من مختلف الجهات المعنية، يسعى وزير العدل عبد اللطيف وهبي جاهدا لإخراج مدونة الأسرة إلى حيز الوجود بصياغتها المعدلة، على الرغم من المعارضة التي تواجهها من بعض الأطراف، وخاصة المحافظين الذين يعبرون عن قلقهم حيال بعض التعديلات الجوهرية التي تضمنها مشروع القانون.

و يعد هذا التعديل الأكبر في مجال التشريعات الأسرية بالمغرب منذ إقرار مدونة الأسرة في 2004، وهو خطوة مهمة نحو تحديث التشريعات بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والثقافية في البلاد.

– مشاورات موسعة بين الوزارات والهيئات الحكومية

مر مشروع تعديل مدونة الأسرة بعدد من المراحل التشاورية بين الوزارات المعنية، التي كانت من بينها وزارة العدل، وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، الأمانة العامة للحكومة، وزارة المالية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بالإضافة إلى المجلس العلمي الأعلى، وقد تم طرح العديد من التعديلات والمقترحات التي تناولت جوانب مختلفة من المدونة، في محاولة للوصول إلى صيغة توافقية تلبي احتياجات المجتمع المغربي وتواكب التطورات الحديثة.

ومن أبرز التعديلات المثيرة للجدل التي لاقت معارضة قوية من بعض الأوساط الاجتماعية، تعديل السن القانوني للزواج، خصوصاً فيما يتعلق بزواج القاصرات، بالإضافة إلى إدخال مفاهيم جديدة مثل احتساب العمل المنزلي للمرأة ضمن أموال الأسرة المشتركة، والتمحيص في موضوع زواج المغتصب بالضحية.

– زواج القاصرات: معركة حول الحقوق والحماية

من بين أبرز القضايا التي أثيرت في إطار هذه التعديلات، تبرز قضية زواج القاصرات، وهو موضوع حساس لا يزال يثير نقاشا حادا في الأوساط السياسية والاجتماعية، فقد اقترحت وزارة الأسرة تحديد سن 17 سنة كحد أدنى للزواج في حالات استثنائية، على أن يُفصل فيها القضاء المتخصص، ومع ذلك، يشدد كثيرون على ضرورة تجريم زواج القاصرات، نظرًا للآثار السلبية المترتبة عليه، سواء من الناحية الصحية أو النفسية، فضلاً عن كونه انتهاكًا لحقوق الطفولة .

وما يعمق الجدل في هذا السياق هو قضية “زواج الفاتحة”، الذي يظل بلا تسجيل رسمي في دفاتر الحالة المدنية، ما يؤدي إلى فقدان الأطفال المولودين في هذه الزيجات لحقوقهم القانونية. هذه الظاهرة، التي يشهدها بعض المناطق، أثارت انتقادات واسعة باعتبارها تهدد حقوق الأطفال في الوجود القانوني والحماية الاجتماعية.

– مراجعة سن الزواج وتحديده: توافقات ومخاوف

يتفق الجميع تقريبًا على ضرورة تحديد سن الزواج في 18 عامًا للذكور والإناث على حد سواء، مع استثناءات ضئيلة قد تسمح بالزواج في سن 17 سنة في حالات معينة، لكن بعض المحافظين يعبّرون عن قلقهم حيال هذا التوجه، مشيرين إلى أن ذلك قد يُؤثر على التقاليد العائلية وحرية اتخاذ القرار داخل المجتمع.

– احتساب العمل المنزلي: خطوة نحو الاعتراف بدور المرأة

من التعديلات التي شكلت نقطة خلافية أخرى، هو اقتراح احتساب العمل المنزلي للمرأة كجزء من الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج هذا التعديل يهدف إلى الاعتراف بالجهد غير المدفوع الذي تبذله المرأة في تربية الأطفال والعناية بالمنزل، وبينما يرى بعض المدافعين عن حقوق المرأة في هذا التعديل تقديرًا لعملها، يثير آخرون قلقًا في الأوساط الفقيرة، حيث يتوقعون أن يكون لذلك تبعات اقتصادية غير مرغوب فيها، خصوصًا في الأُسر التي تعتمد بشكل رئيسي على دخل الزوجة لتغطية احتياجات الأسرة اليومية.

– زواج المغتصب بالضحية: إشكالية حقوقية لم تجد حلاً بعد

تظل قضية “زواج المغتصب بالمغتصبة” واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في المجتمع المغربي، إذ لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق حاسم بشأن كيفية التعامل مع هذه الحالات.

البعض يرى أن زواج المغتصب من ضحيته يعتبر نوعًا من الاستغلال القانوني، في حين يعتقد آخرون أن هذا الزواج يمكن أن يسهم في تخفيف وطأة العواقب القانونية والاجتماعية التي قد تواجهها الضحية، على الرغم من ذلك، تبقى هذه القضية نقطة رمادية في مشروع مدونة الأسرة الجديدة، وتنتظر قرارًا حاسمًا من الجهات المعنية.

– إشكالية الحضانة بعد الطلاق: حقوق الطفل أولًا

من القضايا الأخرى التي تثير نقاشات واسعة، هي مسألة الحضانة بعد الطلاق. حيث يشدد بعض الفقهاء والنشطاء على ضرورة أن تظل الحضانة حقًا للأم حتى في حال الطلاق، خاصة في حال كان الأطفال في سن صغيرة. وبالمقابل، يرى آخرون أن القانون يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطفل وأن يتم تحديد الحضانة وفقًا للقدرة على تلبية احتياجاته النفسية والجسدية، وليس بناءً على معايير ثابتة.

يبدو أن مدونة الأسرة الجديدة، رغم التعديلات التي أُدخلت عليها، لا تزال تواجه العديد من التحديات السياسية والاجتماعية، وهو ما يعكس حالة من الانقسام بين مختلف الأطراف المعنية. فبينما يتطلع البعض إلى تحسين وضع الأسرة المغربية وحماية حقوق الأفراد، يشعر آخرون أن بعض التعديلات قد تفرط في التقدير أو تضر بتقاليد المجتمع، و يبقى أن ننتظر ما ستسفر عنه المشاورات القادمة، في انتظار صياغة قانونية تحظى بالإجماع وتتناسب مع تطلعات المجتمع المغربي نحو العدالة والمساواة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى