أثناء زيارة مستشار ترامب.. الجزائر تساوم واشنطن على قضية الصحراء بورقة الغاز والنفط

هبة بريس

في زيارة رسمية لا تخلو من الرسائل المشفرة، التقى مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، بوزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، خلال أولى محطات جولته المغاربية التي استهلها من الجزائر العاصمة يوم الأحد.

نوايا قصر المرادية 

اللقاء لم يكن عادياً، بل يعكس نوايا قصر المرادية في استخدام ورقة الثروات الطبيعية كوسيلة لمواجهة التحركات الأمريكية الرامية إلى طيّ ملف الصحراء المغربية عبر مبادرة الحكم الذاتي.

بولس، الذي أعلن عن اللقاء عبر منصة “إكس”، صرّح بأن التعاون بين الجزائر وواشنطن يملك آفاقاً واسعة في مجال الطاقة وخارجه، وهو تصريح ينسجم تماماً مع الخطاب الذي حمله السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، حين أعرب في مارس الماضي عن استعداد الجزائر لـ”التفاوض” مع واشنطن حول مواردها الطاقية الوفيرة.

اللافت أن بوقادوم كان بدوره ضمن الوفد الذي اجتمع ببولس، ما يعكس اتجاهاً جزائرياً ممنهجاً نحو تقديم الثروات الوطنية كورقة تفاوضية لضمان مواقف سياسية.

زيارة بولس، التي كان هدفها المعلن معالجة ملفات عالقة في المنطقة، ارتبطت أساساً، وفقاً لتقارير إعلامية وتحليلات سياسية، بملف الصحراء المغربية، إذ جاء التوقف في الجزائر قبل المغرب ضمن سياق الضغط المتبادل بشأن هذا النزاع.

توظيف النظام الجزائري لثروات البلاد

اختيار بولس للقاء وزير الطاقة، في خضم جولة سياسية، يثير كثيراً من الشكوك حول توظيف النظام الجزائري لثروات البلاد في صفقات خلف الستار مع الولايات المتحدة، خاصة أن ذلك يتقاطع مع خطوات ميدانية واضحة؛ ففي ماي 2024، أعلنت “سوناطراك” عن توقيع اتفاق مع “إيكسون موبيل” الأمريكية، يتيح لهذه الأخيرة التنقيب داخل الجزائر وتقييم فرص تطوير موارد المحروقات بحوضي أحنات وقورارة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي يونيو من العام ذاته، وقعت “سوناطراك” مذكرة تفاهم مع العملاق الأمريكي “شيفرون” لتطوير حقلين نفطيين في ولايتي إليزي وورقلة، ما يمثل أول دخول رسمي لهذه الشركة إلى السوق الجزائرية، ويُظهر استعداد الجزائر لتقديم كل ما تملك من موارد، فقط لتحسين موقعها التفاوضي في ملف الصحراء.

الأكثر استفزازاً، أن السفير بوقادوم نفسه أقر بهذه المقايضة بشكل صريح، حيث قال في تصريح لجريدة “ديفانس سكوب” الأمريكية، إن ترامب “يؤمن بالصفقات، وسنحاول إقناعه بأهمية التعاون مع الجزائر”، مضيفاً أن بلاده مستعدة للحديث عن مواردها “الحيوية التي تشهد طلباً عالمياً”.

أطماع جزائرية

بهذا الطرح، تتعارض الجزائر بوضوح مع خطابها الرسمي، الذي يزعم الحياد في ملف الصحراء، ويُنكر وجود أطماع جزائرية في النزاع. بل إن عرض موارد البلاد بهذا الشكل أمام إدارة أمريكية تعترف بسيادة المغرب على صحرائه، يطرح تساؤلات خطيرة حول استقلالية القرار السياسي الجزائري، ومدى استفادة الشعب الجزائري من ثرواته، التي باتت تُستثمر في رهانات دبلوماسية غامضة.

وتزداد علامات الاستفهام مع المصادقة الأخيرة للبرلمان الجزائري على قانون جديد يفتح أبواب الاستثمار المنجمي أمام الأجانب، وهو ما اعتبرته ثلاثة أحزاب معارضة كبرى ـ حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجيل جديد ـ بمثابة “تنازل عن سيادة الدولة”، و”تفريط فادح في الثروات الوطنية”، خصوصاً أنه يأتي في سياق تقارب طاقي غير مسبوق مع شركات أمريكية عملاقة.

بهذا المسار، يبدو أن النظام الجزائري قد اختار وضع ثروات البلاد فوق طاولة المساومات الدولية، مقابل صمت واشنطن أو تليين موقفها من قضية الصحراء، ما يمثل انقلاباً على شعارات السيادة، وضربة موجعة لمصداقية الدولة أمام شعبها.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى